-A +A
رامي الخليفة العلي
لم ينجلِ غبار المعركة في أوكرانيا، ومع ذلك فإن تأثيراتها لا تخطئها العين، ومن نافل القول إن هذه الحرب تتجاوز الجغرافية الأوكرانية، لتعبر عن صراع دولي يعبر بدوره عن مخاض في العلاقات الدولية، فعالم القطب الواحد الذي شهدناه منذ نهاية الحرب الباردة تغرب شمسه، بينما العالم الجديد متعدد الأقطاب يمر بمرحلة مخاض متعسرة، ولعل الأرض الأوكرانية ستشهد ميلاد تحالفات وتوازنات مختلفة عما ألفناه خلال العقود الثلاثة الماضية. والسؤال الأهم ما هو موقع العالم العربي في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية؟ أيّاً كانت النهاية التي ستؤول إليها هذه الحرب فإن العالم العربي أمام تحديات جسام.

في هذا السياق أعطت دولة الإمارات العربية المتحدة موقفا لا لبس فيه وهو بالفعل يعبر عن المجموعة العربية التي تمثلها أبوظبي في مجلس الأمن باعتبارها عضواً غير دائم عندما امتنعت عن التصويت على قرار يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان هناك ثمن دبلوماسي حصلت عليه الإمارات عبر القرار الدولي 2624 الذي أدان جماعة الحوثي ووصفها بالجماعة الإرهابية في إحدى فقراته ويدين هجماتها في المملكة وفي الإمارات كما يفرض حظرا على توريد السلاح إلى الجماعة الإرهابية. لكن امتناع أبوظبي عن التصويت يتجاوز بكل تأكيد الملف اليمني وملف جماعة الحوثي الإرهابية، إنه يشير إلى توازن مطلوب في العلاقات الدولية تسعى إليه الدول العربية. هناك علاقات استراتيجية تربط الدول العربية وخصوصا الخليجية منها مع الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي، ولكن هذه العلاقات ناظمها هو المصلحة المتبادلة، فعندما تبحث الولايات المتحدة عن مصالحها خارج هذه التحالفات التاريخية يصبح من حق الدول العربية البحث عن مصالحها أيضا في شبكة من العلاقات الدولية. هناك اندفاعة أمريكية نحو التوقيع على الملف النووي الإيراني أيّاً كان الثمن، كما عمدت واشنطن إلى تحويل اهتمامها نحو جنوب شرق آسيا، مما يفرض على الدول العربية بناء شراكات اقتصادية وأمنية وحتى عسكرية مع أطراف دولية فاعلة كالصين وروسيا. العلاقات الاقتصادية مع بكين متشعبة وهي جزء من التنوع الاقتصادي والسياسي والأمني الذي تسعى إليه دول المنطقة ولا يتسع المجال للخوض فيها ولعلنا نعود إليها في قادم الأيام. أما العلاقة مع روسيا فقد تعمقت بشكل كبير خلال السنوات الماضية، فهناك تنسيق بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة وروسيا من جهة أخرى فيما يتعلق بحصص الإنتاج ضمن مجموعة أوبك بلاس، كما أن موسكو أصبحت جزءاً من المنطقة عبر تدخلها العسكري في سوريا، والنفوذ الروسي يزداد في القارة الأفريقية بما فيه شمال القارة العربي. أما عن العلاقات الاقتصادية فهي تزداد يوما بعد يوم مع دول الخليج وهي راسخة بين موسكو وكثير من الدول العربية منها اعتماد بعض الدول العربية على واردات الحبوب الروسية وكثير من المواد الأساسية. لذلك تبدو مطالبة الدول العربية بموقف آخر عدا الحياد الإيجابي وأخذ مسافة واحدة من كافة الأطراف، تبدو تلك المطالبة غير واقعية. بل إن هذا الموقف العربي هو الذي يسمح بوساطة مقبولة من قبل كل الأطراف، لذلك قام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان باتصال مع الرئيس الروسي وكذا نظيره الأوكراني. ولعل الأيام القادمة حبلى بالكثير من التحركات السعودية الفعالة.